في العجلة الندامة وفي التأنّي السلامة
هذه مقولة تعلمناها في الصغر ونتذكرها دائماً
السؤال: هل التانّي أفضل من العجلة في كل الأحوال؟ للإجابة على السؤال تعالوا نعرض الموضوع على القرآن الكريم:
في القرآن هناك نوعان من الآيات، منها ما يحث على التأنّي ومنها ما يحث على العجلة
أولاً: أمثلة الآيات التي تحث على التأنّي:
“وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ” ٣٥
– في هذه الآية كلمة يستعجلون تدل على طلب تعجيل العذاب، وهنا يذم الله هؤلاء المكذبين الذين لا يصدقون بيوم القيامة او بالعذاب في الدنيا فيسألون الرسول أن يعجل لهم العذاب
“لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ” القيامة ١٦ “ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه” طه ١١٤
– في هذه الآية حث للنبي على عدم الاستعجال في ترديد الآيات بعد سماعها من جبرائيل خوفا من نسيانها لان الله تكفل بحفظها
“يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” الحجرات ٦
– في هذه الآية أمر من الله للمؤمنين اذا سمعوا خبرا او معلومات معينة من فاسق أن لايتسرعوا بعمل شئ يندموا عليه او يحكموا على الآخرين ظلما. والفاسق هو الانسان الذي يتجاوز حدود الله فيعصي الله فيما أمره به ونهاه عنه
“وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا” المزمل ١٠
– هنا حثّ للرسول الأكرم ولنا على الصبر على الكلام المؤذي وعدم الانفعال وان ندرس الموضوع بتأنّي ونتخذ القرار المناسب بهدوء
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” آل عمران ٢٠٠
– تحثّ هذه الآية الكريمة المؤمنين على الصبر والثبات في معركتهم مع الباطل
ثانياً: أمثلة الآيات التي تحث على الإسراع
“وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” آل عمران ١٣٣
– هنا حثّ للناس للإسراع لطلب المغفرة من الله تعالى والسعي الى رحمته وجنته
“وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ” الواقعة ١٠، ١١
– هذه الآيات تمدح السابقين وهم الذين يسارعون في الايمان ويسبقون غيرهم
“فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين” الأنبياء ٩٠
“أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ” المؤمنون ٦١
– هنا مدح للذين يسارعون في الخيرات اي لايتأخرون عن عمل الطاعات والواجبات وكل مافيه خير للنفس والآخرين
“إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” البقرة ١٣١
– هنا مدح للنبي ابراهيم عليه السلام الذي كان سريع الاستجابة لله وأمره فلم يتردد حتى للحظة واحدة
“يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ” المعارج ٤٣
– تدل هذه الآية الكريمة على عظمة الله تعالى وكيف انه يحيي الموتى يوم القيامة بسرعة فائقة فيخرجون من القبور مسرعين
الخلاصة:
١- في القرآن الكريم آيات تحث على التأني في أمور وآيات تحث على الإسراع في امور أخرى
٢- القرآن استعمل اشتقاقات كلمة ‘العجلة’ للدلالة على السرعة الغير محبذة
٣- في المقابل استعمل اشتقاقات ‘السرعة’ و ‘السبق’ للدلالة على السرعة المحببة
٤- التأنّي مطلوب في أوقات الشدة والحرج وانتشار الأخبار الكاذبة والهلع ويأتي بمعنى الصبر والحكمة والتعقل وعدم استعجال العواقب السيئة
٥- الإسراع والسبق مطلوبان في حالات التوبة والطاعة المطلقة لله والتسليم لأمره والإيمان بقدرته واستغلال الوقت بعمل الخيرات. مع الأسف البعض يسارعون في اطاعة اوامر البشر لكنهم بطيئون في اطاعة اوامر الله تعالى وهذه الطامة الكبرى
لنتبع نهج القرآن الكريم ونسرع في اجابة اوامر الله والتسليم له وطلب مغفرته وعدم اضاعة عمرنا، ونتأنّى في مواطن الشك والذنوب ونصبر، والله ولي التوفيق
الدكتورة إيمان العطّار