حادثة المؤاخاة

‎ في اليوم الثاني عشر من السنة الأولى للهجرة النبوية المباركة حدثت حادثة المؤاخاة العظيمة حيث أمر الرسول الأعظم (ص) المسلمين جميعًا في المدينة أن يتآخوا فيما بينهم فيتخذ كل فرد من أهل المدينة اخا من أهل مكة الذين هاجروا الى المدينةكان المجتمع المسلم في المدينة المنورة مكوناً من فئتين؛ المهاجرون، وهم المسلمون الذين هاجروا من مكة مع الرسول أو قبله عند تعرضهم للاضطهاد والتعذيب في مكة بسبب إسلامهم، وهؤلاء كانت حالتهم المعيشية صعبة في المدينة، فرغم أن بعضهم كانوا من أغنياء مكة الا أنهم أصبحوا فقراء معدمين في المدينة لأنهم فرّوا بأنفسهم ولم يستطيعوا أخذ أموالهم وأمتعتهم معهم، وهذا يذكرنا بحال المهاجرين واللاجئين في عصرناوالفئة الثانية هم مسلموا المدينة الذين سُمّوا بالأنصار لأنهم نصروا رسول الله ودعوته واستقبلوه وساعدوه بكل ما يستطيعون. هؤلاء كانوا مستقرين في بيوتهم وأعمالهم وأهاليهم ولم يضطروا للهجرة والالتجاء الى مكان آخركان أول ماقام به الرسول الأعظم عند وصوله المدينة توجيهه المسلمين الى بناء المسجد، وبهذا أراد الرسول أن يعلمنا أن المسجد هو أهم شئ في حياة المسلم اليومية وهو الأساس الذي تبنى عليه المدينة الاسلامية والحياة الإسلاميةوبعد اكمال بناء المسجد أمر الرسول الأكرم كل أنصاري أن يتخذ أخاً من المهاجرين يؤويه في بيته ويقسم فيه كل مارزقه الله من مال ومتاع مناصفة بينه وبين أخيه المهاجر، وبهذا سنّ الرسول الأعظم سنة الاسلام العظيمة التي تعطي الأخوّة الاسلامية قيمة عليا تفوق كل معايير الاختلاف بين الأفراداستجاب الأنصار لنداء الرسول الأكرم وأسرعوا باتخاذ اخوان لهم من المهاجرين ووهبوهم نصف مالهم، حتى انهم كانوا يوصون لهم بجزء من ميراثهم، وقد مدحهم الله تعالى في القرآن الحكيم ووصفهم بأنهم المفلحون أي الفائزون في الدنيا والآخرة: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” الحشر ٩علما أن سكان المدينة ومكة لم تكن بينهم علاقات حميمة قبل الاسلام وانما كانت تحكمهم الصراعات والعداوات، لكن روح الاسلام العظيمة استطاعت ان تقلب العداوة والبغضاء الى محبة وقرابة، وبهذا تمت معالجة مشكلة انسانية واجتماعية كبيرة، ولولا ذلك لبقي المهاجرون مشردين ولاستمرت العداوات والمشاكل بين الأفراد والقبائل في مكة والمدينةماأحرانا أن نستذكر هذه المناسبة العظيمة التي حدثت في مثل هذا اليوم، وأن نتعلم من درس الأخوّة الاسلامية المهم جدا، فقد أراد الرسول الأكرم أن يعلمنا أن الإسلام دين الوحدة واذا اردتم ان تكونوا مسلمين كما أراد الله تعالى فينبغي أن تحرصوا على وحدتكم وتتجاوزا عن كل الاختلافات الطفيفة التي لابد منها بسبب تنوع الثقافات والانتماءات، فيكون الاسلام هو الانتماء الوحيد الذي ينبغي للجميع أن يذوبوا فيه “وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون” الأنبياء ٩٢كذلك نتعلم من درس المؤاخاة ان الاسلام دين الانسانية والرحمة والمودة، فعندما تضيق السبل بأحدنا ينبغي على الآخرين مساعدته بكل مايستطيعون ولا يدعوه يعاني لوحده، وبهذا ينشأ المجتمع المتماسك الذي يكون افراده بعيدين كل البعد عن الأنانية، بل كلهم راعٍ وكلهم مسؤول عن رعيتهوأيضا يعلمنا درس المؤاخاة أننا اذا اردنا أن نصير أقوياء فلنحرص على وحدة القلوب ولنتجاوز عن كل حالات التشتت النفسي الذي تتركه الاختلافات، فالوحدة قوة والفرقة ضعف، والأمة القوية لن يقهرها أحدوفقنا الله واياكم لكي نحافظ على وحدتنا الاسلامية ولا نستسلم أمام الضغوطات التي يسلطها اعداء الإسلام لتفريقنا، والله من وراء القصد‎د. إيمان العطّار

Leave a Reply