ماهو سر خلود قصائد المرحوم الحاج حمزة الصغير والمرحوم الحاج كاظم المنظور الكربلائي؟

في تاريخ الأدب الحسيني والأنشاد برز العديد من القراء والشعراء الأكارم المبدعين الذين أتحفوا الأمة الأسلامية بروائع بقيت في ضمير الأمة ووجدانها حتى بعد رحيل هؤلاء النخبة عن هذه الدنيا، تاركين بصمة جميلة في تاريخ الأنشاد الحسيني من الصعب تكرارها. من هؤلاء القارئ الكبير الحاج حمزة الصغير الذي أنشد الكثير من القصائد الحسينية الممؤثرة والمتضمنة للكثير من المعاني التاريخية والتوجيهات الدينية والأجتماعية، مع أوزان والحان مؤثرة لتدخل في قلوب المؤمنين ولا تخرج منها. وقد أخذ الحاج حمزة الصغيرقصائده من العديد من الشعراء، لكنه أخذ كمية كبيرة من القصائد الشعرية من الحاج كاظم المنظور الكربلائي، لدرجة أنهما صارا ثنائي القصيدة الحسينية. لذا من المهم أن نتعرف عليهما وعلى شخصيتهما معا لنكتشف سر خلود انتاجهما الفكري وسر روعته.

ولد الحاج حمزة الصغير في كربلاء في العراق عام 1921 ميلادية 1339 هجرية. عانى الصغير من اليتم منذ نعومة اظفاره حيث كان يتيم الأب وكان الطفل الوحيد في العائلة. تعلم قراءة القرآن وفنون الأدب في صغره، وبدأ في أنشاد الشعر الحسيني في عمر مبكر. كان اسمه الأصلي حمزة بن عبود السعدي، لكنه بعد أن صار ينشد القصائد الحسينية صار يسمى حمزة الصغير تمييزا له عن قارئ آخر يكبره واسمه حمزة السلامي. كان حمزة الصغير معروفا بالأخلاق العالية وطيب المعاملة والزهد والتقوى والسماحة. اشتغل في الأعمال الحرة مابين محل للعطارة ومحل لبيع الأواني وصناعة الأحذية، وآخر عمل كان محل صغير لكوي الملابس في كربلاء. اشتهر الحاج حمزة الصغير كقارئ للقصائد الحسينية منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى منتصف السبعينيات، حيث كان يقرأ بغزارة في صحن العباس والحسين (ع) وكان الناس يتلهفون لسماع قصائده ويحرصون على الحضور في مجلسه. كذلك قرأ في الكاظمية والنجف والسماوة والبحرين، وأيضا أقام مجلسا حسينيا في السعودية عند ذهابه للحج. توفي الحاج حمزة الصغير عام 1976 ميلادية، 1395 هجرية عن عمر يناهز الخامسة والخمسين حيث أصيب بمرض السرطان.

أما الحاج كاظم المنظور الكربلائي، فأسمه الكامل هو كاظم بن حسون بن عبد عون الشمري، ولد في كربلاء أيضا عام ١٨٩١ ميلادية، ١٣٠٩هـجرية، وعاش في ظل والده الذي توفي وفارقه وعمره ٧ سنوات، فتبنى تربيته ورعايته أخوه الأكبر وخالهُ. في ريعان شبابه أخذ يتردد على المجالس الحسينية، وكان يحفظ الشعر، وبانت عليه ملكة الحفظ فحفظ القرآن رغم أنه لا يقرأ ولا يكتب بدءًا بجزء عمّ. وكان يحضر في شهر رمضان مجالس تفسير القرآن في الصحن الحسيني الشريف للعلامة المفسر السيد حسن الاسترابادي، وأكمل حفظ القرآن وهو في سن الخامسة والعشرين، دون أن يتقن الكتابة، وكان يستعين بمن حوله للكتابة. وقد أكسبته قراءة القرآن وفهم آياته في سن مبكر موهبة فريدة في نظم الشعر بصورة ميزته عن أقرانه، فبدأ بكتابة قصائد متميزة غنية بالمفاهيم الثورية والعقائدية. نجد أن الكثير من هذه القصائد تردد حتى الآن لعمق تأثيرها على قلوب الناس فما يخرج من القلب المخلص يدخل الى القلب. توفي الحاج كاظم في عام 1974 ميلادية، 1394هجرية بعمر الثلاثة والثمانين ودفن في كربلاء.

هكذا نلاحظ أن كلا هاتين الشخصيتين العظيمتين كان يتيما، وقد أثرت قراءة وحفظ ودراسة تفسير القرآن الكريم في عمر مبكر على شخصيتهما وعلى مستواهما الأدبي الرفيع. لقد اعتاد الناس على سماع القصائد التي تدور حول واقعة الطف ومأساتها، إلا أن الشاعر المنظور أستطاع أن يأتي بنمط شعري جديد ثوري نابع من صميم العقيدة الإسلامية مما يدل على ثقافته العالية، وأستطاع أن يُدخل مفردات جديدة في شعره، منها عالم الأرواح والقبر والبرزخ والحساب والشفاعة. تبنّى حمزة الصغير هذه الأشعار المليئة بالمفاهيم الأسلامية، وأداب نفسه في أضافة الأوزان المناسبة. كان حمزة الصغير يقرأ القصائد بنية خالصة لله وحبا لأوليائه، فلم يتخذ من المنبر وسيلة للتحصيل المادي أو هدفا للوصول الى مركز معين، بل كان يجيب كل من سأله ويقرأ في بيوت الفقراء والأغنياء أضافة الى الحضرة الشريفة. وكان لا يطلب أجرا بل عاش على الأجرة البسيطة التي يحصل عليها من محل كي الملابس. هذا المحل اضافة الى كونه مكان عمله كان مكانا لاجتماع الشعراء والأدباء وتبادل القصائد وقراءتها ومناقشتها فكان أشبه مايكون بالمجمع العلمي الثقافي.

نستخلص من استعراضنا لحياة هاتين الشخصيتين أن السر في خلودهما يكمن في ايمانهما العميق بالله تعالى وبثقافتهما وأخلاقهما العالية ونيتهما الخالصة لله وعدم السعي وراء المصالح الدنيوية، وبوعيهما للظروف السياسية والاجتماعية في وقتهما وانتاج كل ما يمكنه رفع وعي الناس وتحسين مستواهم الفكري والعقائدي وتوجيههم للحق والخير. السؤال، هل سيأتي الزمن بمثل هؤلاء المخلصين، فقد كان المخلصون ثلة واليوم صاروا قلة، لكن سرّ المرحوم الحاج حمزة الصغير والمرحوم الحاج كاظم المنظور الكربلائي ليس صعبا، فهو ايمان واخلاص وحب لله وللناس وعمل مستمر للآخرة، وما يلقّاها الا من كان ذو اخلاص عظيم.

بقلم الدكتورة إيمان العطّار

لطميات حمزة الصغير

ديوان المنظورات الحسينية

Leave a Reply