هل هناك عمل درجة أولى وعمل درجة ثانية؟

 القصة الأولى
المعلم: ماذا تريدون ان تعملوا عندما تكبروا يااولاد؟
احمد: دكتور (طبيب)
سالم: مهندس
عماد: طيار

 القصة الثانية
انا: هل ممكن تنصحني اي البطيخات اختار
بائع الخضرة: نعم ياخالة فأنا عندي دكتوراه بالخضرة
انا: ولم لا، انت لديك خبرة في الخضار وهذا شئ جيد يجب ان تفتخر بنفسك
بائع الخضرة (بألم): دائما يقولون عني ذكي لكني بسبب ظروفي ضيعت مستقبلي مع الخضار
قالت البائعة الأخرى: نعم انه ذكي ولو درس لصار جراح الآن

في القصة الأولى، هذه الاجوبة نجدها على لسان اكثر الاطفال، فهل هذه الوظائف هي احسن الوظائف وماهو المعيار لكون الوظيفة جيدة او لا؟
وفي القصة الثانية، لو كان بائع الخضار قد درس وصار طبيبا هل سيصير فرد منتج في المجتمع اكثر مما هو عليه الآن؟ ولماذا يحس بالمرارة وهو يعمل عملا جيدا، هل لأن المجتمع ينطر اليه بنظرة مختلفة؟

 قال الله تعالى “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” التوبة ١٠٥
في هذه الآية أمرنا الله تعالى ان نعمل لدنيانا ولآخرتنا ولم يحدد نوع العمل، لكن المهم ان يكون في هذا العمل الفائدة والخير

 وذات مرة وجد الرسول الاكرم رجلا يصلي في المسجد طوال اليوم فسأله: من يقوم بأمر عيشك وأمر عيالك، قال الرجل: أخي، فقال له الرسول: هو أعبد منك

 النبي الأكرم لم يسأل عن نوع العمل، وانما اعتبر اي عمل عبادة، مادام يساعد الانسان على العيش عيشة كريمة ويكفيه مذلة السؤال

 لكن من اين اتت هذه الهالة لأعمال معينة دون غيرها! فالطبيب صار من الطبقة العليا في المجتمع، وتشمل هذه الطبقة ايضا المهندس والمحامي والمدير والتاجر وغيرهم ممن يتقاضى اجرا عاليا على عمله. وهناك الطبقة المتوسطة وتشمل الموظف بشكل عام والعامل في المتاجر والمعلم وغيره، ثم الطبقة الدنيا وتشمل عامل المصنع والفلاح والمنظف والزبّال ممن يتقاضون اجورا زهيدة مقابل عملهم

 فماهو الاساس الذي بنيت عليه هذه الطبقات، وهل لذلك علاقة بمبادئ الاسلام ام انها دخيلة؟

 كما هو واضح، هذه الطبقية بنيت على مقدار الأجر الذي يتقاضاه الفرد، وهذا مرفوض في الاسلام، فلا فضل لأحد على احد الا بالتقوى، والأجر يجب ان يكون متقاربا بين مختلف الاعمال

 كذلك بنيت هذه الطبقية على تمييز الانسان الذي يدرس في المدارس (التي اغلبها علمانية) عن غيره ممن يعمل اعمالا حرة منذ صغره كالفلاح وغيره. فالدارس في تلك المدارس يخرج منها مزهوا متكبرا يظن انه قد تعلم وصار ‘مثقفا’ اكثر من غيره

 ومن طرق التمييز الأخرى هي طريقة اللبس، فصار لبس ‘المثقف’ هو اللبس الغربي، فالذي لبس الدشداشة او غيرها من الملابس الاصيلة لا ينظر اليه انه مثقف

 هذا الشخص الذي يسمي نفسه مثقفا، اذا مر بامتحانات بسيطة من امتحانات الاخلاق او المروءة او البطولة فالاحتمال الاقوى انه لن ينجح فيها! لأنه يحتاج الى مدرسة الدين ومدرسة الحياة وان يكون متواضعا ليتعلم باستمرار

 ثم ماهذا الدمج بين الطب والدكترة، فالطبيب يجب ان يسمى طبيبا وليس دكتورا، فليس من العدل ان يكون للطبيب لقب خاص يميزه عن غيره ممن اكمل شهادة البكالوريوس. أما من يكمل الدراسات العليا فيمكن ان يسمى حينها ‘دكتور’ سواء درس الطب او غيره من التخصصات

 هل توصلتم الآن الى من الذي أشاع كل هذه الأفكار الخاطئة في فكرنا وفكر مجتمعاتنا! انه الشر والاحتلال الذي لم يقنع باحتلال اراضينا منذ بداية القرن العشرين الميلادي بل شدد على تحريف افكارنا ومبادئنا وابعادنا عن مبادئ الاسلام شيئا فشيئا

 متى سندرك خطر ما نعيشه من افكار خاطئة ونتلافى هذه الاخطاء ولا نكون ضحية لها نحن ولا ابناؤنا؟

 الاسلام دين الحياة شجع الناس على العمل، اي عمل حلال، لطلب الرزق، وان يتوازن الانسان في استخدام وقته بين ثلاثة أمور: طلب الرزق، العبادة، ملاقاة الاخوان والتسلية في غير محرم

 احترموا الذين يعملون مهما كان عملهم. البائع والمنظف والخياط والنجار والبناء والفلاح والخباز وغيرهم يجب ان يشعروا باحترام كبير في المجتمع، لانهم يقدمون خدمات جليلة للناس

 الوظائف الادارية فيها الكثير من اهدار الوقت والجهد وفيها مذلة حيث يكون الموظف تحت امرة رئيسه. لماذا تسعى الناس لها بعد التخرج وكأنها الخيار الوحيد؟

 المعلّم يجب ان يعطى حقه من التكريم والاحترام، وكذلك عامل المصنع وغيره، فالمعيار في كل ذلك هو العدالة المبنية على مدى مايقدمه الفرد للمجتمع بما يرضي الله، فكلما قدم اكثر استحق اكثر، فلا يوجد عمل درجة اولى وعمل درجة ثانية، والافضلية الوحيدة هي للاخلاص والتقوى والنية الصادقة

 يجب ان نسعى لتحقيق العدالة في المجتمع ولا ننتظر الامام المهدي ليحققها، فهي ممكنة اذا تعاوننا جميعا

 وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون

 

Leave a Reply