!ترى لماذا يجعل الله تعالى ليلة واحدة خيرا من الف شهر، بما يعادل ٨٣ سنة
الله تعالى يريدنا أن نعرف قيمة الزمن، فالزمن ليس دقائق وساعات تمر علينا وتنقص من عمرنا، بل هو فرصة عظيمة للعمل الجاد وتطوير النفس للوصول الى رضاه تعالى
في الاسلام هناك ليالي أفضل من غيرها، كليلة القدر وليلة الجمعة وليلة العيد، وهذا به حث على العبادة والسعي للتكامل، فلو كانت الليالي كلها متساوية لن يكون هناك حافزا قويا للعمل
الاسلام يركز على الجانب الايجابي في علاقتنا مع الزمن، فهناك ساعات وايام وليالي وشهور افضل من غيرها، لكن ليس هناك اوقات اسوأ من غيرها لأن الزمن خلق الله وكل مايخلق الله فهو خير، ولأن الله يريدنا ان نترقى فننظر للأفضل دائما
من أسباب تفضيل ليلة القدر هو نزول القرآن في تلك الليلة كاملا على قلب الرسول الأكرم محمد (ص)، فهذه اشارة لنا أن نهتم بالقرآن الكريم أكثر ونتعلمه ونفهمه ونستوعب تعاليمه ونطبقها، فقد عظمت تلك الليلة بنزوله، فهو هدية من الله تعالى للبشرية لحل مشاكلها ان اتبعت نهجه القويم
في ليلة القدر نزل القرآن العظيم وهو دستور الأمة، وكذلك يقدر كل أمر به حكمة الهية، ولعل تقدير الأمور مرتبط ايضا بالقرآن، فمن اتبع نهجه وتعاليمه السامية صارت حياته هادفة ونفسه مطمئنة واستحق ان يقدر الله له امورا ربما لايقدّرها لمن لايهتم بالقرآن العظيم
في ليلة القدر يضع الناس القرآن على رؤوسهم، هذه علامة رمزية، فليس المطلوب أن نضع القرآن ككتاب فوق رؤوسنا لكن المطلوب ان تخترق تعاليمه ودروسه قلوبنا وعقولنا ونتحرك من خلالها
وفي ليلة القدر هناك سلام واطمئنان من بداية الليلة الى طلوع الفجر، فماذا يعني ذلك؟ انه سلام الروح وسلام الراحة النابعة من القرب من الله جل وعلا، فهو ليس سلاما اوتوماتيكيا حتى لمن لم يتوجه الى الله بقلبه في تلك الليلة. هذه فرصة للسلام والسكون لأن الله هو السلام وهو الذي يهب السلام الروحي والفكري والنفسي، وتحديده الى الفجر يعني ان الفرص محدودة فيجب ان نستغلها احسن استغلال
لكن لماذا تزاحم كل هذه الرحمات الالهية والفيوضات الروحية في ليلة واحدة؟ لأنها ليلة جعلها الله فرصة لأن يتغير الانسان وذلك بأعطائه جرعة قوية من العلاجات لروحه وفكره، تماما كما يعطون جرعة علاج قوية لمن به مرض شديد او مسكن قوي لمن عنده الم
اذن التقرب في هذه الليلة الى الله تعالى يعدل عمل ٨٣ سنة اذا اجهد الانسان نفسه في التقرب فعلا واحس بحركة في كيانه وشعوره وصحوة فكرية جميلة توقظه من غفلته، واذا تيقظ من غفلته فستكون هذه الصحوة الرافد للانسان لكل سنينه القادمة
لكن ماالذي يثير هذه الصحوة الايمانية، فهناك صلوات كثيرة يستحب القيام بها وتلاوة القرآن والأدعية الكثيرة، فكلها عظيمة وتمد الانسان بالعلم والوعي، بشرط اساسي وهو ان يركز الانسان على معانيها ويتأمل كل كلمة يلفظ بها وينوي العمل بها
من ضمن الادعية المستحب قراءتها في ليلة القدر دعاء مكارم الأخلاق، واعتقد لو أمضى الانسان ليلته في دراسة هذا الدعاء وعمل خطة لحياته على اساس ذلك سيحصل على صحوة ايمانية كبيرة في حياته
النقطة ان ليلة القدر غير معروفة قطعا، وهذا من رحمة الله حتى نحصل على فرص اضافية للتقرب منه جل وعلا وتربية نفوسنا. لذا فلنمضي الليالي العشرة الاخيرة من شهر رمضان في العلم والعبادة وتربية النفس والعقل لنغرف من بحر جود الكريم ولكي لا يفوتنا ثواب تلك الليلة التي هي خير من الف شهر
وفقنا الله واياكم للقرب منه في هذه الليالي المباركة. لاتنسونا بدعائكم الكريم
الدكتورة إيمان العطار