عقد الأخوّة

 في ذكرى يوم الغدير المبارك يتبادل الناس مايسمى بعقد المؤاخاة

 تساءلت في نفسي ماعلاقة المؤاخاة بيوم الغدير، فالرسول (ص) آخى بين المهاجربن والانصار في السنة الأولى بعد الهجرة، وحادثة الغدير حدثت في السنة العاشرة بعد الهجرة. والأجدر أن يخصص يوم خاص لاستذكار مناسبة المؤاخاة العظيمة (١٢ رمضان ١هجرية) لما في المؤاخاة بين المسلمين من أهمية كبيرة في حياتنا، فلماذا تدمج مع الغدير؟

 بعد البحث وجدت أن عقد المؤاخاة في يوم الغدير يسموه عقد الولاية وهو يختلف عن عقد المؤاخاة بين المسلمين، بمعنى أن الأخوّة تشمل فقط كل من يؤمن بولاية الامام علي (ع)

 

 لكن من الذي سنّ هذا العقد؟ وهل ان الايمان بالولاية بشكلها التاريخي دون وعي وتطبيق يكفي ليكون الانسان مسلما ومؤمنا؟ وهل حصل هذا الأمر في عهد الأئمة؟ ولماذا التركيز على مؤاخاة فريق من المسلمين وعدم التركيز على المؤاخاة العظيمة التي سنها الرسول لكل المسلمين دون تحديد؟

 :أسئلة كثيرة محيرة، لكن تعالوا معي نحلل صيغة عقد أخوة الولاية لنكتشف هشاشة الموضوع. يتناقل الناس عادة هذه العبارات

آخيتك في الله وصافيتك في الله وصافحتك في الله وعاهدت الله وملائكته وكتبه ورسله وأنبياءه والأئمة المعصومين عليهم السلام على أني إن كنت من أهل الجنة والشفاعة وأذن لي بأن أدخل الجنة لا أدخلها إلا وأنت معي

 في البداية يتآخى المؤمن مع أخيه ويتصافح ويتصافى على حب الله وحب رسوله وأوليائه، وهذا شئ جميل، ثم يعاهد الشخص الله والملائكة والأنبياء أنه لن يدخل الجنة الا وصاحبه معه

 لكن هل نعرف معنى العهد وأحكامه وهل هذا واقعي؟ هل هناك شخص يُسمح له بدخول الجنة فيتشرط ولايقبل ان يدخلها الا بمعيّة شخص آخر؟ وهل هناك من يملك الأمر في تحديد من يدخل الجنة ومن لا يدخلها يوم القيامة غير الله تعالى؟ فحتى الشفعاء القليلون لايشفعون الا بأذن الله. وكيف يمكن للانسان ان يتذكر اسماء كل الذين ارسل لهم هذه الرسالة، فلاشك ان عددهم واسماءهم تختلف من سنة الى أخرى؟

 يقول البعض انك بهذا العهد قد تستطيع ان تخرج شخصا من النار وتدخله الجنة! وهل الناس تملك أمر نفسها يوم القيامة حتى تملك أمر غيرها؟ وهل يمكن للانسان ان يحصل على هذه القدرة والقوة بمجرد ارسال رسالة لاصدقائه واخوانه!

 

 جاء في الآية الكريمة: “يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه” عبس ٣٤-٣٧. فاذا فرّ الأنسان من اقربائه وأحبائه بسبب هول يوم القيامة، هل سيقف على باب الجنة ويشترط دخول عدد كبير من الناس معه!

 هذه الآيات المباركة ربما تجيب على بعض هذه الأسئلة: “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا” الأسراء ٣٤. العهد هو صيغة يعاهد فيها المؤمن ربه على الالتزام بفعل شئ أو تركه، ولابد فيه من اللفظ، فاذا قال: عاهدت الله على أن أفعل كذا ثم لم يفعله وجبت عليه الكفارة. فاذا وصل الى باب الجنة ورفض الدخول الا مع فلان وفلان ولم يأمر الله بادخال فلان الى الجنة فمعناه ان الشخص سيكون آثما بنقض العهد، وربما ذلك يمنعه من دخول الجنة لاسمح الله، فلماذا نعرض انفسنا لهذه التعقيدات ونزيد ذنوبنا!

يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله” الانفطار ١٩. يوم القيامة لايملك الانسان امر نفسه ولا أمر غيره، فلا يوجد معنى لأن يعاهد الانسان الله على ادخال شخص آخر الى الجنة

وكنا نخوض مع الخائضين” المدثر ٤٥. يجب الحذر والوعي بأن لاننساق ونعمل مايعمله الناس دون تفكير، فاذا ارسل لك احدهم صيغة عقد الأخوة -بنية طيبة- فلاتسرع بإرساله وتأمل في مضمونه وهل انه ينطبق مع الشريعة الاسلامية والمنطق ام لا

انما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم” الحجرات ١٠. بدلا من ارسال عقد الأخوة للناس والزام أنفسنا بما لا نستطيع، ربما الأفضل أن نبحث في مفهوم الأخوّة الإسلامية وشروطها وكيفية تحقيقها وكيفية الاصلاح بين المسلمين وزيادة المحبة وتوحيد القلوب، حينها نكون قد استجبنا لنداء المؤاخاة الذي اطلقه الرسول الأعظم، وكذلك نكون قد حققنا أهم اهداف مناسبة الغدير وهي وحدة المسلمين وساعدنا أخدنا الآخر على دخول الجنة ان شاء الله

 

د. إيمان العطّار

 

 

 

 

Leave a Reply