تجربة النبي إبراهيم وإسماعيل فيما يتعلق بأعمال الحج

 ان سيرة الانبياء والرسل هي ذخر لنا، وتمثل لنا حياة مليئة بالتجارب، لكل مرحلة من مراحل حياتنا، وحرص القرآن الكريم على ايصال هذه التجارب لنا بهدف الاستفادة منها واستلهام الدروس والعبر، 

ونرى المساحة الواسعة في القرآن الكريم التي تناولت الانبياء ابراهيم وإسماعيل ومحمد عليهم السلام 

وهذا لم يكن عبثًا، حيث أمة محمد ونحن جزء منها، امة ورثت الكتاب، وورثت الاسلام وتعاليم الاسلام.

اذاً نحن بدورنا كيف ننظر الى هذه التجارب وكيف نستفاد منها ونتجنب الوقوع في الاخطاء؟ ونحن ورثنا دور الشاهد على الناس، كيف نفهم مسيرة الانبياء ودعوتهم الى الاصلاح، ونحن حينما يلد لنا مولود جديد نسأل الله ان يكون ولدا صالحا؟

كيف نجعل من سيرة الانبياء والصالحين منهج في حياتنا؟ كيف ننظر الى نبينا إبراهيم الذي اسس امة 

تكون شاهدة على الناس وكذلك نبينا محمد واهل بيت النبوة الذين اكمل الله بهم الدين الى يومنا هذا؟

كيف نقوي به اسلامنا وايماننا؟

لكي نجيب على هذه الاسئلة، لا بد من ان ننظر الى جانب من جوانب حياة النبي ابراهيم (ع)، لكونه مؤسسا للاسلام

عندما سار ابراهيم بولده إسماعيل وزوجته هاجر الى أرض مكة، واسكنهما هناك وما جرى عليهما من الامر, وضعوا اللبنة الاولى من اركان الاسلام.

نجد القصة تدور دورة كاملة من السير العبادي الذي يسير به الانسان من موطن نفسه الى قرب ربه، ومن الخروج من 

الدنيا وأمانيها، والتخلص من وساوس الشيطان، حيث تحكي جميع الاحداث عن سير خالص لله سبحانه وتعالى.

وكلما زاد العبد حباً لله زاده الله إمعانًا وبصيرة، حيث كان سيدنا ابراهيم كثير الدعاء وكان دعاءه مستجاب،

بَلِ الله سبحانه وتعالى نقل دعاءه لنا من خلال القرآن الكريم.

ومنها دعاؤه في طلب الذرية (رب ِهب لي من الصالحين) فأجابه الله (فبشرناه بغلام حليم) سورة الصافات ٩٨

ومن دعائه عندما ترك ولده وزوجته (ربنا إني اسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم) سورة ابراهيم37.

لماذا يا سيدنا يا إبراهيم تركتهما؟ (ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم).

أي دعاءٍ هذا الذي يفجر بئر زمزم وتأتي الوفود من الناس بقلوبهم العطشى ليرتووا من هذا النبع الصافي، 

ويأتوا من كلٍ فجٍ عميق، ليلبوا نداء الله ويقيموا الصلاة.

هنا يرينا ابراهيم اعمال الحج بطريقة التطبيق. يرينا كيف يكون الحرم وبيت الله آمنًا بحيث ترك من ذريته هناك. وفي هذا العمل العبادي في الحج تأكيد على إقامة الصلاة

وهما ركنان من اركان الاسلام – الحج والصلاة.

الجانب المهم الذي يجب ذكره هنا هو طاعة اسماعيل عليه السلام لوالده

كما جاء ذكره في سورة الصافات ١٠١(فلما بلغ معه السعي قال يابني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى

قال ياأبت افعل ماتؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين).

حين كان يسعى إسماعيل لرضا الله سبحانه وتعالى، من الطبيعي ان يزداد إبراهيم حبًا وفخرًا وفرحًا لصلاح ولده،

وإذا بالامتحان الإلهي يأتي – ذلك هو البلاء المبين.

شكل هذا اختبارا لابراهيم وإسماعيل معًا وكلاهما وصلا إلى مقام التسليم، وكلاهما نجحا في الاختبار الالهي المكون من هذه الدروس:

اولا، اختبار التسليم لله دون ان يشرك به احد (كولده).

ثانيا، طاعة ابراهيم لله.

ثالثا، طاعة اسماعيل لله ولوالده.

رابعا، اعانة اسماعيل والده ابراهيم للقرب الالهي.

ونتعلم من انبيائنا كيف نأتي الى الله بقلب سليم وطاهر من أي حب وأي تعلق لغير الله وهذا هو الاسلام.

وهذه تجربة النبي ابراهيم في التطبيق العملي للقرب الالهي.  

والاختبار الاخر وقع حينما اختار الله لهاجر ورضيعها اسماعيل السكن في “واد غير ذي زرع”.  

حينها, اعطى النبي إبراهيم الثقة للسيدة هاجر عندما تركها في تلك الصحراء الخالية عند رحمة الله.

وهي ايضا رضيت بمكان سكنها الذي أختاره الله لها سبحانه وتعالى.

ونستنتج ايضا انه بالايمان والتسليم والطاعة والصبر يتم كل شيء، ببركة دعاء نبينا إبراهيم

وبركة سعي هاجر ودعائها  دون أي خوف من تلك الصحراء الخالية.

سعت وكان سعيها منسكاً من مناسك الحج، وكانت حياتهم ترمز الى حركة الإنسان دون توقف، فتحولت بسعيهم الى حياة مباركة، حياة هداية للناس، حياة طاهرة من دون شرك، لم يتوقفوا عن العبادة, ولكن مزجوا البناء بالعبادة والحركة مع الشكر والتوبة والمغفرة.

وننتقل الى تجربة اخرى من تجارب النبي ابراهيم واسماعيل, اذ قال ابراهيم لولده إسماعيل

(أمرني ربي ان ابني هنا بيتًا). 

هاهو الامر الإلهي صدر ببناء بيت – اين؟ 

في المكان الذي ترك فيه ابراهيم ولده اسماعيل وزوجته هاجر، في المكان الذي تربى به اسماعيل، في المكان الذي تجمع الناس حول هاجر، في المكان الذي تربى به اسماعيل على الصلاح والطاعة والصبر والتسليم لامر الله، في المكان الذي كان فيه الامتحان للثلاثة – ابراهيم واسماعيل وهاجر. وبناءا على هذا الامتحان، بني البيت الحرام: (انه أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا وهدىً للعالمين) آل عمران 96.

تم البناء ووضع الحجر الاسود كعلامة لبداية الطواف، وبدأ طواف الموحدين المخلصين:

ودعا إبراهيم واسماعيل (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) البقرة 127. رغم التعب الشديد كانا يتوسلان بالله ان

يتقبل منهما.

نستفاد من هذه التجربة انه كانت افعالهما عبادية خالصة من باطن سرهما, جعلها الله بقدرته مناسكا للحج وذكرى للعالمين، وايضا استجابة لدعاء ابراهيم: “ارنا مناسكنا”. وهذه من الافضال الالهية.

نبي الله ابراهيم من انبياء أولي العزم, حيث قال تعالى له (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) الأحقاف 35. العزم هو الثبات على العهد وعدم النسيان والغفلة. ولم يكن سيدنا ابراهيم من الغافلين – بل كان من المشغولين بذكر الله في كل لحظة من لحظات حياته. فاستمدت السيدة هاجر القوة والعزم من زوجها، وكذلك ولدهم اسماعيل. وكان بناء الكعبة رمزا وذكرى لهذا الثبات.

تجربة إبراهيم وإسماعيل وهاجر في الحج مثلها كمثل ورقة بيضاء في تلك الصحراء التي تربى بها إسماعيل

وخط لنا خطوطها الاولى مع امه هاجر التي ادت رسالتها في الاسلام وبنت اللبنة الاولى للاسلام، حيث التف الناس بقلوبهم العطشى ليرتووا من هذا الدين حيث يجتمع الناس حولهم بأرواح مليئة بالايمان الصادق،

والاخوة، والمساواة، والتوحيد، وهذا يشعر الجميع بقوة الوحدة وما زال مستمرا ليومنا هذا حيث ترفع الاكف

بدعاء واحد كما رفع نبينا إبراهيم وقال: (ربنا ليقيموا الصلاة … لعلهم يشكرون) ابراهيم 37 .

البداية كانت مع السيدة هاجر ومع ولدها اسماعيل, حيث تجمع الناس حولهم وعندما عاد النبي ابراهيم

وجد أمنيته ودعائه قد تحقق. واستمر تحقيق دعائه لذريته من خلال رسالة النبي محمد (ص) الذي سلك نفس الطريق قائلا: “انا دعوة ابي ابراهيم” وكذلك حين ساندته السيدة خديجة في الاخلاص بالتوحيد ومحاربة عبادة الاصنام.

وسلام من الله عليهم اجمعين.

كوثر الصافي

 

 

 

Leave a Reply