الميزان في القرآن

إنّ موضوع الميزان في القرآن يتضمن مفاهيم مهمة جدا لأنه يرتبط بالمصير الأخروي للأنسان لأن موضوع الميزان هو جزء مهم من حياتنا نحتاج ان نتذكره في كل وقت ونكون دقيقين في تعاملنا وتصرفاتنا، فحتى الفكره التي تخطر على بالنا ربما تثقل او تخفف الميزان. أن كلمة الميزان تدل على المقياس الذي على أساسه نعرف قيمة الشيء. والأوزان على أنواع كثيرة، منها الكيلوغرام الذي يستعمل لقياس كتلة الشيء والأمبير لقياس الكهرباء والكيلومتر لقياس المسافات، الى غير ذلك من الطرق التي نقيس بها كثرة الشيء او قلته. ولأن الله سبحانه وتعالى من خلال آيات القرآن الكريم يقرّب لنا المعاني دائما حتى نفهمها، لذا فأن الهدف من ذكر الوزن في القرآن ليس المقصود منه الوزن المعروف في هذه الدنيا، وانما هو تشبيه من أجل تقريب المعاني والأفكار للذهن البشري الذي يفهم الأمور المادية أكثر من غيرها، ليسهل فهم موازين يوم القيامة الغير مادية. وبذلك نقيس أعمالنا لنرى هل هي من الأوزان الثقيلة أوالخفيفة. وقد ورد ذكر الوزن والميزان في أكثر من أربعين آية، لكن لا يسعنا المجال هنا ان نتطرق الى جميع الآيات لكثرتها، لذلك سنتناول ست آيات قرآنية بالبحث الموضوعي والشرح والتحليل من أجل فهم موضوع الوزن والميزان من وجهة نظر قرآنية

١. “بسم الله الرحمن الرحيم” “والسماء رفعها ووضع الميزان، الّا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان، والأرض وضعها للأنام” (الرحمن 7-10).

في هذه الآيات تكررت كلمة الميزان ثلاث مرات: “وضع الميزان”، “ألّا تطغوا في الميزان”، “وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان”. نلاحظ هنا عظمة القرآن وبلاغته حين يورد كلمات متعاكسة مثل الرفع والوضع، من أجل بيان معنى واحد. لكن ماهي العلاقة بين رفع السماء ووضع الميزان؟

 لقد تحدثت سورة الرحمن عن العديد من الظواهر الكونية التي تظهر بدائع صنعه تعالى، فهي تبدأ بالآيات التالية: “الرحمن، علّم القران، خلق الانسان، علمه البيان، الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان”. فنرى هنا الكثير من الآيات الكونية الرائعة المطيعة لله تعالى، وكل هذه المخلوقات سواء الساكنة أو المتحركة تسجد له طواعية أي تخضع لأمره جل وعلا. ثم بعد ذكر هذه النعم والآيات العظيمة يأتي ذكر السماء، فالسماوات والأرض “كانتا رتقا ففتقناهما” أي كانتا قطعة واحدة ثم فصلهما الله تعالى عن بعض فرفع السماء ووضع الأرض. يشير المفسرون أن رفع السماء هو من ضمن الظواهر الكونية العظيمة التي تدل على قدرة الله تعالى، فقد رفع السماء “بغيرعمد ترونها” فهي لا تسقط علينا ولا تنهار مع أنها لا تستند على أعمدة.

أن هذا الكون المنظم الدقيق المصنوع بدقة، وهذا التكامل بين الأرض والسماء والليل والنهار هو جزء من نظام التوازن الذي سنّه الله تعالى في هذا الكون. ونحن أيضا يجب ان تسير أمورنا وفق الميزان فلا نخرج عن الخط الذي رسمه الله تعالى لنا ما دامت النجوم والأشجار تسجد لله، وكل شيء مطيع لله تعالى. فالنظام العام للحياة هوالتوازن بين المخلوقات على قاعدة التكامل والتداخل وهذا النظام شامل للضوابط الكونية ولمخلوقات الله تعالى التي نحن جزء منها. لذا حتى تسير الحياة بشكل جيد و نحصل على الفائده والخير في الدنيا والآخرة نحتاج أن نتكامل مع هذه الظواهر الكونية وذلك عن طريق طاعة الله وعمل الصالحات، بأن نلتزم بالأستقامة وبالعلم في كل الأمور والعلاقات ونزين الكلمة التي نقولها فلا نقول الا الحسن، ونزين الأفكار والعلاقات والأخلاق  فتكون في صالح الله تعالى وليس في صالح غيره.

اذن الهدف من خلق السماء والارض هو التوازن، لهذا قال الله تعالى “ووضع الميزان” أي وضع الميزان لكم لكي تلتزموا التوازن في حياتكم وفي أموركم وفي علاقاتكم.

“الّا تطغوا في الميزان”: الطغيان هو الخروج عن الحد، أي الخروج عن أمر الله تعالى بأن نخرج عن الحدود التي حددها الله لنا وننحرف عن الصراط المستقيم وعن موازين الحق والصدق والعدل التي سنّها الله تعالى لنا.

“وأقيموا الوزن بالقسط” هنا الله سبحانه وتعالى يدلّنا على الطريقة التي نستطيع  بها حفظ التوازن وذلك عن طريق الالتزام بالقسط. والقسط هو نوع من أنواع العدل ويقع في الجزاء الحسن لكن العدل يقع في الجزاء الحسن وغيره، فمعاني القسط والعدل قريبة. والله سبحانه وتعالى يعدل مع الصالحين فيدخلهم الجنة ويعدل مع الظالمين فيدخلهم النار، وعندما يأمرنا الله بالقسط يقول لنا أعطوا الأمور حقها وأعطوا الناس حقوقهم، أي لا تظلموا أحدا ولا تظلموا أنفسكم. في عملية الشراء والبيع هناك ثلاثة أمور مهمة: الثمن والمثمن والوزن. مثلا اذا أردنا شراء تفاح فالتفاح هو المثمن والثمن دولارين والوزن الكيلو او غيره. في يوم القيامة ستكون الجنة هي المثمن والثمن أنفسنا أما الوزن والمعيار فهو القسط ط وأقيموا الوزن بالقسط”. لذا نحتاج أن نعمّق في أنفسنا مسألة  التعامل بالقسط طول الحياة، فعندما أقسط مع الله اكون مطيعا له، وعندما أقسط في علاقاتي أحفظ حقوق الناس وأحترمها ولا أضيعها، وعندما أقسط مع نفسي أكون صادقة مع نفسي.

“ولا تخسروا الميزان” أي لا تنقصوا الميزان فمثلا تطلبون الاحترام من الناس لكنكم لا تقدمون لهم الاحترام فهذا نقص في الميزان، وهو نفس مايعمله المطففون الذين توعّدهم الله بالعذاب “ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون”، فعندما أطلب من الناس ان يعطوني أمورا معينة ويتعاملون معي باخلاق لكنني لا اقابلهم بالمثل فأكون من المطففين وممن ينقصون الميزان.

 

٢. “وأوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا” (الأسراء 35).

لقد أوردت الآية الكريمة كلمة الكيل وحثّت على الوفاء به والحفاظ على خط العدل في تنفيذ المعاملات والعقود بين الناس. ورغم أن الوزن والكيل لهما معان متقاربة الا أن الكيل يتعلق بمقدار الأشياء من ناحية الحجم، أما الوزن فيشير الى مقدار الأشياء من ناحية الثقل. فكأن الآية تقول أعطوا الناس حقوقهم وزنا بوزن وحجما بحجم وأحبّوا لغيركم ما تحبوه لأنفسكم، وأحسنوا الى الفقراء والى الأطفال والضعفاء، وأحسنوا صحبة الناس. ورد في الحديث الشريف “إصحب صاحبك بالفضل” بمعنى أن تصاحب عائلتك وأهلك وأصدقاءك بأخلاق أفضل من أخلاقهم وتعطيهم أكثر مما يجب عليك تجاههم، ولا تتعامل بأنانية، فالاحتكار والأنانية في التعامل هي من ألاعيب الشيطان وهي بعيدة عن خط العدل، فاذا صحبت الناس بالفضل تكون قد أثقلت ميزانك أكثر لأنك قد أعطيتهم حقهم وزدت على ذلك.  

“وزنوأ بالقسطاس المستقيم” القسطاس كلمة مكونة من كلمتين: قسط وطاس. فقسط بمعنى عدل وطاس بمعنى كفة الميزان.  

والقسطاس المستقيم كناية عن التعامل الذي ليس به انحراف الى أي اتجاه سوى خط الله تعالى وشرعه القويم. واذا سألنا ما هو الهدف من التأكيد على القسطاس المستقيم؟ تجيب الآية الكريمة بأن “ذلك خير واحسن تأويلا” أي أن نشر العدالة في التعامل يؤدي الى نشر وسائل الخير فيعم الخير والهناء في المجتمع. لكن ما علاقه التأويل بالميزان؟ التأويل في اللغة معناه المآل أو المرجع، فالمقصود أن اقامة الوزن بالقسط يؤدي الى أحسن وأطيب نهاية، فهو خير لكم ويوفر لكم نهاية جيدة للتعاملات في الحياة الدنيا، لأنه بالعدل تطمئن القلوب ويسود السلام عندما يكون الكل راضين ومرتاحين ومآله الى جنة الخلد. وبعكسه اذا لم يسود العدل فمآل ذلك العمل الذل في الدنيا والعذاب في الآخرة لمن يغمط حقوق الناس.

 

 ٣. “ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين” (الانبياء 47).

نحن نتساءل أحيانا كيف يحاسب الله تعالى مليارات الناس يوم القيامة فردا فردا! فنجد الجواب في هذه الأية “ونضع الموازين القسط”، فالحساب يكون بحسب موازين الله تعالى التي تستند على العدالة التامة فلا يوجد ظلم أبداً. فالأنسان الذي أدى حقوق الله وحقوق البشر في علاقاته وأعماله سيوفى حسابه أضعافا مضاعفة.

 في هذه الأية الكريمة يضرب الله تعالى مثلا  بحبة الخردل التي هي صغيرة جدا، فهي أصغر من بذور القمح والشعير. وقد ورد ذكر حبة الخردل في الأنجيل أيضا لأنها نبتة معروفة منذ القدم. ان الله تعالى يقرّب لنا المعنى، فمهما كان العمل صغيرا يحسبه الله ويحاسبنا عليه ولا يضيع عنده شيء من خير أو شر. ومن أمثلة الأعمال التي قد نحسبها صغيرة ولا نعي أثرها: الأبتسامة، ولحظات الرفق، ومشاعر الحب أو الكره وغير ذلك مما لا نحسب له حسابا ولا نعتبره جزءا من العبادة وهو عند الله عظيم

هذه الآية الكريمة ترينا أن الحساب يوم القيامة سيكون دقيقا جدا ولا يضيع عنده عمل عامل من ذكر أو أنثى أبدا، فمهما عملنا من خير يجب ان لا نندم عليه لأننا في تجارة مع الله. لذا ينبغي أن لا نستهين بالأعمال الخيّرة الصغيرة ولا نستهين بالذنوب الصغيرة أيضا، لآن الذنب الصغير قد يترك أثرا سيئاً كبيراً ويزيد كفة ميزان السوء فيؤدي بصاحبه الى النار فيكون القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون. لهذا نحتاج أن نكون أكثر وعياً لتصرفاتنا وأفعالنا، فحتى اذا رضينا بعمل ناس وكان عملهم سيئا فعملية الرضا تحسب في كفة ميزاننا والعكس بالعكس.

 

٤. “حتى اذا جاء أحدهم الموت قال ربي ارجعون، لعلّي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون، فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون” (المؤمنون 99-104).

عندما يأتي وقت الموت على الأنسان سيندم على ماضيّعه من الفرص العظيمة وسيتمنى أن يرجع للحياة لكي يعمل صالحا. أن الله تعالى من رحمته بنا وكرمه يحذّرنا من أن نكون في ذلك الموقف الصعب حيث لن ينفعنا الندم حينها ولن نملك فرصً أخرى للعمل في الحياة الدنيا. ففي وقت الموت يتشبث الأنسان بأمور لن تنفعه، فيتمنى الرجوع الى الحياة الدنيا وذلك مستحيل، وربما يتشبث بنسبه فيأتيه القول القاطع بأن النسب لن يساعدك ولن ينفعك سوى عملك يوم القيامة. فإذا لم يكن الرجوع الى الحياة ممكنا وليس بإمكان النسب أن ينفعنا، فما هو الحل؟ تجيبنا هذه الآيات بوضوح بأن العبرة بالعمل فقط فهو الذي يجعل كفة ميزاننا من الوزن الثقيل فنكون من المفلحين أو يجعلها من الوزن الخفيف فنكون من الخاسرين.

لكن كيف نثقل الميزان؟ الجواب  بكثرة الأعمال الصالحة، فنحتاج ان نتأكد أن ما نعمله صالحا ولانكون كالأخسرين أعمالا الذين ضلّ سعيهم في الحياه الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. فنحتاج ان نراقب أعمالنا لنتأكد من صلاحها، وهذه عملية فكرية مستمرة تحتاج الكثير من الوعي والقراءة والثقافة لنستطيع التمييز بين الصالح والطالح، فربما يحاول بعض المنحرفين أن يستعملوا بعض الشعارات الدينية ليضفوا على أعمالهم وأقوالهم وأفكارهم صفة الخير والصلاح الا أنه في الحقيقة أن باطن تلك الأعمال لا ينطوي على الخير مطلقا.

اذن كلما ثقل ميزان أعمالنا نسير نحو الفلاح “أولئك هم المفلحون”. والفلاح هوأعلى أسباب النجاح والفوز، وقد خصّ الله به المؤمنين في القرآن الكريم بقوله “قد أفلح المؤمنون”. وكلما خفّ ميزان أعمالنا نسير نحو الخسران المبين “ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون”. هاتان الآيتان تقرّران أربعة نتائج لمن خفّت موازينه ولم يعمل صالحاً في الدنيا. أوّلها خسارة النفس وظلمها وتضييع فرصتها بتحصيل السعادة والجنة، فحتى لو تبعت فئة معينة لن يساعدوك يوم القيامة وستحاسب بمفردك وتواجه المصير الخاسر الذي اخترته لنفسك. وثاني تلك النتائج هو الخلود في جهنم الى الأبد، وأي نتيجة أسوأ من تلك النتيجة. وثالث النتائج هو أن تلفح وجوههم النار، واللفح لهب يلامس الوجوه فيحرقها فتسيل جلودهم ثم تبدّل بغيرها. أما النتيجة الرابعة فهي السواد والعبوس اللذان يظهران على الوجه من شدة الألم “وهم فيها كالحون”. أن هذا الوصف الدقيق المسهب لنتائج الوزن الخفيف يوم القيامة هو من رحمة الله تعالى بنا حيث يحذرنا من أن نسير على خطى الباطل والمبطلين ونتنازل عن الحق فهل نحن مذعنون.

 

٥. “والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون” (الأعراف 8،9).

هذه الأية الكريمة ذكرت عواقب الوزن الثقيل والخفيف أيضا، فالوزن الثقيل للأعمال عاقبته الفلاح، أما الوزن الخفيف فعاقبته خسارة النفس بسبب أعمال الأنسان التي ظلم بها نفسه في الدنيا. فهذه الآية تؤكد أن السوء والظلم يأتي من الأنسان نفسه، أما الخير فهو من الله تعالى دائما فهو لا يظلم العباد ولكنهم أنفسهم يظلمون.

واذا قارنّا بين هذه الآية الكريمة والآية التي ذكرناها سابقا من سورة الأنبياء (في النقطة الثالثة) نلاحظ أن هذه الآية تصف الوزن بالحق بينما تلك الآية تصفه بالقسط “ونضع الموازين القسط”، فهل الحق والقسط أمران مختلفان أم هما أمر واحد؟ القسط -كما ذكرنا سابقا- هو العدل ويأتي غالبا في الجزاء الحسن، أما الحق فهو وضع الأمور في نصابها على وجه الاستحقاق، وبما أن الله هو الحق أي أنه الحقيقة الكاملة الواضحة في الوجود، وهو المقسط أيضا، فنرى أن الحق والقسط لا ينفصلان عن بعضهما، فوضع الأمور في نصابها هو القسط والعدل بعينه.

 

٦. “ماأصاب من مصيبة الا في كتاب من قبل ان نبرأها أن ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحبّ كلّ مختال فخور” (الحديد 22،23).

هذه الآيات الكريمة تؤكدان أن للحياة نظامها الخاص المتوازن في النظام الكوني، فلكل ظاهرة سببها ولكل موجود قانونه الخاص. فالحياة مليئة بالأفراح والمسرات، وهي أيضا مشحونة بالآهات والنكبات، وفي ذلك امتحان للأنسان وتدريب له على أن يتعامل مع هذه الحالات المختلفة بالأسلوب الأمثل وهو أسلوب التوازن.

فأذا أصاب الأنسان أمر يكرهه أو وقعت له حادثة مؤلمة يجب أن لا يخرجه ألمه وحزنه عن خط التوازن فيجزع ويعمل أفعالا لا يرضاها الله تعالى. كذلك اذا حقق نجاحا في مشروع ما أو وقع ماكان يرجوه ويأمله ويسره يجب أن لا يخرجه فرحه بما حصل عن خط التوازن، فلا يكون فرحه مدعاة لغضب الله تعالى فيقوم بأعمال بعيدة عن الدين مما يغضب الله تعالى. فالأنسان اذا علم أن كل حالات الفرح والحزن هي حالات وقتية في هذه الدنيا الفانية وأن الهدف منها هو اختباره، وأن الفرح والحزن الحقيقيين هما فرح وحزن يوم القيامة، حينها سيكون فرحه وحزنه متوازناً في حالة حدوث حوادث الدنيا العرضية وسيجعل غاية فرحه بما يقوم به من أعمال صالحة تجعله من المفلحين في الآخرة، وغاية حزنه بما قام به من أعمال لا ترضي الله تعالى فيستغفر الله منها ولا يعود اليها ابدا.

 

فيما يلي بعض النقاط التي يمكن أن ترشدنا الى الوسائل التي نثقل ميزان أعمالنا وذلك استنادا على بعض الأدعية والأحاديث الشريفة

 

إخلاص الحب والأنقطاع الى الله تعالى “الهي هب لي كمال الأنقطاع اليك وأنرأبصار قلوبنا بضياء نظرها اليك”. فعندما تكون قلوبنا مع الله تعالى وننقطع اليه بشكل كامل لن يستطيع أحد أن يسيطرعلينا ولن نخضع لغيره مطلقاً.

تسبيح الله وحمده وشكره دائما. فقد ورد في الحديث الشريف “كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم”. من السهل أن نسبّح الله بلساننا فقط لكن ما يثقل الميزان ويحبه الله تعالى هوالتسبيح الصادق العمليالذي ينطلق من القلب والعقل ويتحوّل الى مسار عمل وخطة حياة.

أن لا نبيع أنفسنا لغير الله تعالى بأن نصبر على الطاعات والعقبات في طريق الحق ولا نستسلم عند أبسط مشكلة “ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم بأن لهم الجنة”. فهذا الصبر والثبات هو الذي يثقل ميزان أعمالنا. وقد ورد في الحديث “ليس لأنفسكم ثمن الا الجنة”. في الأخرة هناك بيع وشراء، واذا بعنا أنفسنا لله مقابل الجنة فهي رخيصة جدا أمام جنة الخلد، أما اذا بعنا أنفسنا في الدنيا لأعداء الله فقد دفعنا شيئا ثمينا مقابل الخسران المبين.

الإلتزام بالصلاة وباقي العبادات وعدم تضييعها والتهاون بها. جاء في الحديث “الصلاة في أولها جزور وفي آخرها عصفور”. ان كلمة الجزور تشير الى الجمل الثقيل حيث أنّ من كرم العرب أنهم كانوا يذبحون جزوراً للضيوف. هذا الحديث على أن الصلاة في أول وقتها تثقل الميزان لأنها تدل على التزام العبد واحترامه لأوقات الصلاة العظيمة التي يتصل فيها بالله تعالى ويناجيه. أما اذا تهاون وصلاّها في آخر الوقت فسيكون وزنها خفيفا دلالة على قلة الأجر وقلة الفائدة للأنسان نفسه.

التوازن في العلاقات ضمن خط التوازن الذي رسمه الله تعالى للكون والحياة: “أحبب وليّك هوناّ ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما واكره بغيضك هوناً ما عسى أن يكون وليّك يوماً ما”. هذا الحديث الشريف يرشدنا الى أن نكون متوازنين في حبّنا وبغضنا ونتعامل بعقلانية ولا ننفعل بدرجة كبيرة لأن كل إنسان معرّض للخطأ، والآندفاع الشديد في الحب والكره ربما يفقد الإنسان الكثير من فرص الخير والمحبّة. هذا بالنسبة الى العلاقة مع البشر، أما العلاقة مع خالق البشر فكلما ازدادت وتعمق حبّنا لله تعالى فإن الله سيحبّنا ويقربنا اليه أكثر ويا فوز المقرّبين.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الدكتورة ايمان العطار

Leave a Reply